كان ابن طولون قد استخلف على مصر ابنه العباس، وهو متجه إلى الشام، فخالف العباس أباه،  فلما بلغه قدوم أبيه عليه من الشام أخذ ما كان في بيت المال من الحواصل ووازره جماعة على ذلك، ثم ساروا إلى برقة خارجا عن طاعة أبيه، فبعث إليه من أخذه ذليلا حقيرا، وردوه إلى مصر، فحبسه وقتل جماعة من أصحابه.


أحدث هذا الديوان في عهد المعتمد على الله، بعد أن فرضت ضريبة المواريث.


هو محمد المهدي بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ولد بسامرا، وهو المهدي المنتظر عند الرافضة، يقولون إنه دخل في سرداب في بيت والده ولم يخرج منه، وزعموا أنه سيخرج في آخر الزمان بنفس العمر الذي دخل فيه السرداب، وهم ينتظرونه إلى اليوم عند السرداب المزعوم.

قيل: إنه دخل وعمره تسع سنين، وقيل: تسع عشر سنة.

وقيل: إن أباه الحسن مات عن غير عقب، وقيل: ولد له ولد بعد موته من جارية اسمها "نرجس" أو "سوسن" وقيل: إن اسمها  "صقيل" ادعت الحمل به بعد وفاة سيدها, فزادت فتنة الرافضة بصقيل هذه، وبدعواها، إلى أن حبسها المعتضد بعد نيف وعشرين سنة من موت سيدها، وبقيت في قصره إلى أن ماتت في زمن المقتدر؛ قال الذهبي: "نعوذ بالله من زوال العقل، فلو فرضنا وقوع ذلك في سالف الدهر، فمن الذي رآه؟! ومن الذي نعتمد عليه في إخباره بحياته؟ ومن الذي نص لنا على عصمته وأنه يعلم كل شيء؟! هذا هوس بين، إن سلطناه على العقول ضلت وتحيرت، بل جوزت كل باطل، أعاذنا الله وإياكم من الاحتجاج بالمحال والكذب، أو رد الحق الصحيح، كما هو ديدن الإمامية، وممن قال: إن الحسن العسكري لم يعقب: محمد بن جرير الطبري، ويحيى بن صاعد، وناهيك بهما معرفة وثقة".
.


حاصر أحمد بن طولون نائب الديار المصرية مدينة أنطاكية وفيها سيما الطويل، فأخذها منه وجاءته هدايا ملك الروم، وفي جملتها أسارى من أسارى المسلمين، ومع كل أسير مصحف، منهم عبد الله بن رشيد بن كاوس، الذي كان عامل الثغور، فاجتمع لأحمد بن طولون ملك الشام بكماله مع الديار المصرية؛ لأنه لما مات نائب دمشق أماخور ركب ابن طولون من مصر فتلقاه ابن أماخور إلى الرملة، فأقره عليها، وسار إلى دمشق فدخلها، ثم إلى حمص فتسلمها، ثم إلى حلب فأخذها، ثم أكمل ابن طولون استيلاءه على الشام باستيلائه على أنطاكية.


خرج خمسة من بطارقة الروم في ثلاثين ألفا من الروم إلى أذنة- وهي مدينة بالشام بناها الرشيد، وأتمها الأمين، بين طرسوس والمصيصة- وأهل أذنة أخلاط من موالي الخلفاء وغيرهم، وهي مدينة جليلة عامرة ذات أسواق وصناعات وصادر ووارد، وهي ثغر سيحان، فصاروا إلى المصلى وأسروا أرخوز، كان والي الثغور، ثم عزل فرابط هناك- فأسر وأسر معه نحو من أربعمائة رجل، وقتلوا ممن نفر إليهم نحوا من ألف وأربعمائة رجل، ثم انصرفوا.


هو الملك أبو يوسف يعقوب بن الليث الصفار الخارجي- خرج على سلطان الخلافة- التركماني، من سجستان، أصله فارسي ينحدر من جبال شرق فارس، أسس السلالة الصفارية التي حكمت فارس وبلاد ما وراء النهر.

وقد أكثر أهل التاريخ من ذكر هذا الرجل وذكر أخيه عمرو وما ملكا من البلاد وقتلا من العباد، وما جرى للخلفاء معهما من الوقائع، كان رجلا عاقلا حازما, وكان أول أمره أنه وأخاه عمرا صفاران في حداثتهما، يعملان في النحاس، وكانا يظهران الزهد، فجاهدا مع صالح المطوعي المحارب للخوارج،  فصحبه إلى أن مات، فتولى مكان صالح المطوعي درهم بن الحسين المطوعي، فجعل درهم يعقوب بن الليث قائدا لعسكره، ثم رأى أصحاب درهم عجزه، فملكوا يعقوب لحسن سياسته، فأذعن لهم درهم،  واشتهرت صولة يعقوب، فغلب على هراة وبوشنج، وحارب الترك، وظفر برتبي، فقتله، وقتل ثلاثة ملوك ورجع معه ألوف من الرؤوس، فهابته الملوك, وكان بوجهه ضربة سيف مخيطة.

أظهر يعقوب حرصه على تدعيم ملكه؛ حيث اهتم بتدبير أمور مملكته وتحصينها وعمارة أرضه، فكثرت أمواله وعمرت خزائنه, ثم أعلن نفسه حاكما على موطنه في سجستان (بلوشستان).

ثم ضم إليه المناطق التي حكمها الطاهريون: هراة، وفارس، وشيراز، وبلخ, ثم طخرستان, حتى انتهى الأمر بأن قام بإجلائهم عن خراسان وأفغانستان.

فعينه الخليفة المعتز واليا على المناطق التي سيطر عليها, فأخذ يعقوب يبعث هداياه إلى المعتز لمداراته، ثم صار يرسل للمعتمد في العام خمسة آلاف ألف درهم، ثم أخذ بلخ ثم نيسابور، وقصد جرجان، فهزم المتغلب عليها الحسن بن زيد العلوي، ثم دخل جرجان، فظلم وعسف، فاستغاث جماعة جرجانيون ببغداد من يعقوب، فعزم المعتمد على حربه، ونفذ كتبا إلى أعيان خراسان بذم يعقوب، وأن يهتموا لاستئصاله، فكاتب يعقوب المعتمد يخضع ويراوغ، ويطلب التقليد بتوليته المشرق، ففعل المعتمد ذاك وأخوه الموفق؛ لاشتغالهم بحرب الزنج.

كان يعقوب قد افتتح الرخج، وقتل ملكها وأسلم أهلها على يده، وافتتح الخلجية وزابل وغيرهما.

بعد أن غلب يعقوب الصفار على سجستان ونيسابور والديلم وفارس، طمع في بغداد فأقبل عليها غازيا، فقابله جيش الموفق بدير العاقول، وكشف الموفق الخوذة وحمل، وقال: أنا الغلام الهاشمي.

وكثرت القتلى، فانهزم يعقوب، وجرح أمراؤه، وذهبت خزائنه، وغرق منهم خلق في النهر.

مات يعقوب بجند يسابور من كور الأهواز، وكانت علته القولنج، فأمره الأطباء بالاحتقان بالدواء، فلم يفعل، واختار الموت.

وكان المعتمد قد أنفذ إليه رسولا وكتابا يستميله ويترضاه، ويقلده أعمال فارس، فوصل الرسول ويعقوب مريض، فجلس له وجعل عنده سيفا ورغيفا من الخبز، ومعه بصل، وأحضر الرسول، فأدى الرسالة، فقال له: قل للخليفة إنني عليل، فإن مت فقد استرحت منك واسترحت مني، وإن عوفيت فليس بيني وبينك إلا هذا السيف، حتى آخذ بثأري، أو تكسرني وتعقرني، وأعود إلى هذا الخبز والبصل، وأعاد الرسول، فلم يلبث يعقوب أن هلك.

فقام بالأمر بعده أخوه عمرو بن الليث، وكتب إلى الخليفة بطاعته، فولاه الموفق خراسان، وفارس، وأصبهان، وسجستان، والسند، وكرمان، والشرطة ببغداد.